[right]قضايا أخلاقية خاصة بثورة المعلومات في مجالات الجينات والاستنساخ ونقل الأعضاء
الدكتور عبد الهادي مصباح *
ترى إلى أين يمضى التقدم العلمى بالإنسان ؟ فنحن ندرك تماماً أن إنسان هذا العصر ينبغي أن تظل أبواب عقله ونوافذه مفتوحة لكى يتلقى أخبار كل جديد فى مجال البحث العلمى الذى لا يتوقف عند حد ، إلا أننا في نفس الوقت نجد أن نهم العلماء يدخلهم في مناطق شديدة الخطورة ، قد تعود بالضرر على البشرية جمعاء ، لذا فلا بد من وضع ضوابط أخلاقية تحجم من جموح العلماء ، وتوجه أبحاثهم لمصلحة البشرية لا لدمارها .
نقل أعضاء الخنازير للإنسان :
وعلى سبيل المثال ،فهناك محاولات لتخليق قلوب جديدة مشابهة لقلب الإنسان من خلال علم الهندسة الوراثية فى أنواع معينة من الخنازير ، بحيث تطمس هويتها الجينية التي يشعر بها الجهاز المناعي ويهاجمها ، وبذلك تخطوا أهم مشكلتين تواجهان عمليات زرع الأعضاء وهما : لفظ العضو المزروع ثم إمتداد الأوعية الدموية التى تمده بأسباب الحياة من أكسجين وغذاء ، وبالتالى يمكن زرعها فى الإنسان دون أن يلفظها الجسم ، وقد تمت تجربة زراعة هذه القلوب فى القرود وسوف تتم تجربتها على الإنسان فى المستقبل القريب ، فما الذي يحدث من زراعة قلب الخنزير وما يحتويه من خلايا وكروموسومات وجينات في الجسم والأنسجة والخلايا البشرية ؟
حمل الرجال :
في الأول من أبريل الماضي تم عقد مؤتمر صحفي ، وقف فيه السيد" وماس بيناي " وزوجته " نانسي" ليعلنا أمام كل وسائل الإعلام أن الزوج "توماس" حامل ، وأن فحص الموجات الصوتية أظهر أنه حامل في بنت ، وظن الحاضرون أنها " كذبة أبريل" ، إلا أن فحص الموجات الصوتية وتقارير الأطباء قطعت الشك باليقين ! ومن خلال دهشة الحاضرين ، خرجت الصحف والبرامج التليفزيونية تناقش هذا الموضوع ، وتفتح ملف حمل الرجال مرة ثانية منذ أن كان مثاراً منذ عدة سنوات عندما حاول رجل يدعى " لي مينجواي" أن يثبت أن الرجال أيضاً يمكن أن يحملوا ويلدوا ، وبالفعل تم تأهيله من خلال علاج هرموني أنثوي مكثف ، وتم زرع جنين مخصب داخل الغشاء البريتوني في بطنه كبديل للرحم ، وبعد عدة شهور فشل الحمل وتم إجراء عملية لإنهائه .
وعموماً فمسألة حمل الرجال مثارة حتى على مستوى بعض العلماء ، خاصة مع انتشار الشذوذ الجنسي في الجنسين ، ومحاولات استغناء جنس عن الجنس الآخر ،ولكن ما هو الهدف من وراء حمل الرجال ؟ هل أعقمت النساء فلم تعد تلدن ؟ مع أن هناك انفجار سكاني عالمي حتى أن هناك أكثر من 35 دولة تم ذكرها بواسطة الأمم المتحدة تعاني من المجاعة ونقص الغذاء ؟ هل النساء أصبحن قلة ؟ كلا ،فعددهن يزيد عن عدد الذكور على مستوى العالم ، مع وضع نقطة أخرى في الاعتبار وهي أن في دولة مثل الولايات المتحدة فقط هناك أكثر من نصف مليون فتاة في سن المراهقة تحمل وتلد ، ومن بينهن 13 ألف فتاة دون سن الخامسة عشر نتيجة الانحلال الجنسي والإباحية ، وإطلاق حرية ممارسة الجنس ، وأن هناك واحدة من بين كل 4 بنات دون سن العشرين قد أجرت عملية إجهاض في وقت من الأوقات للتخلص من الأطفال الذين حملن فيهن سفاحاً في وقت غير مناسب ،ومن شخص غير مناسب ، إن مسألة حمل الرجال إنما هي إحدى الخطوات التي تخرج الإنسان عن المنظومة الكونية المتجانسة التي وضعها الخالق عز وجل ، فالمولى عز وجل الذي قال " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " سورة الحجرات 13 ، وحين تحدث عن الحمل جعل الأنثى هي موضع هذا الحمل لأنه سبحانه وتعالى أهلها لذلك فقال " هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " سورة آل عمران 6 ، وقال أيضاً " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ " سورة لقمان 14 ، وقال " اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ " سورة الرعد 8 .
مشاكل أخلاقية خاصة باستخدام الأجنة البشرية
ا- أبحاث الخلايا الجذعية :
لقد أثار موضوع اكتشاف الخلايا الجذعية Stem Cells التي تستخلص من نطف الأجنة البشرية التي لا يزيد عمرها عن أسبوع ، بحيث يمكن زرعها ونموها في المعمل ، لكي توجه بعد ذلك لاستنساخ أعضاء بشرية معينه ، الكثير من الجدل والنقاش ، فقد سبق أن أصدرت اللجنة العليا للقيم والأخلاقيات بالولايات المتحدة ، قراراً بمنع تمويل أي أبحاث تتعامل مع الأجنة البشرية ، خوفا من موضوع استنساخ البشر ، وذلك بعد ولادة النعجة " دوللي " ، وإعلان أكثر من عالم عن عزمه على تطبيق ذلك على البشر لاستنساخهما من خلال نفس التكنيك ، والذي قد لا يعلم بحدوثه كل من الأم التي تبرعت ببويضتها ، أو الأب الذي تبرع بحيوانه المنوي ، أو حتى بعلمهم ، وكذلك أصدرت 19 دولة أوروبية قراراً بحظر استنساخ الأجنة البشرية ، وحظر تمويل الأبحاث التي تؤدي إلى هذا الاستنساخ ، ثم سمحت بعض الدول مثل انجلترا بإجراء الأبحاث الخاصة بالخلايا الجذعية على الأجنة التي لا يتجاوزعمرها أسبوعاً .
ب- المعلومات الجينية ..ومن له حق المعرفة ؟
وتثور الآن العديد من التساؤلات المنطقية الخاصة بالمعلومات الجينية للإنسان ، ومن الذي له حق الإطلاع على هذه المعلومات ، وهل سوف تصبح المعلومات الجينية الخاصة بمشروع الجينوم البشري متاحة على شبكة الإنترنت ، بحيث يستطيع أي إنسان أن يدخل إليها ، ويحصل على ما يريد الحصول عليه ، دون أي نوع من الخصوصية والسَّرية ، ثم ألا تستطيع دولة أو جيش أو مخابرات أن تستخدم جزئية معينة خاصة بجنس آخر ،وتحاول محاربتها من خلال هذه الخصوصية في التكوين الجيني لكل منهما ، وهل هذا يجوز أخلاقياً ؟ إنها حقا مشارف مرحلة جديدة لا بد لها من تقنين ، من خلال أخلاقيات وآداب تحكمها ، وإلا سوف تستخدم في الكثير من الأعمال غير المشروعة والإجرامية .
ولكن يظل هناك تساؤل قائم : ترى هل يمكن أن تسبب هذه المعرفة نوعاً من القلق النفسي الذي يفوق المرض نفسه ؟ والإجابة مازالت محل بحث ، لإيجاد حل يوازن بين فوائد المعرفة وأضرارها ، لكي لا نصبح مثل الذين وصفتهم الآية الشريفة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ " سورة المائدة 101 ، فعلى سبيل المثال الجين المسبب لسرطان الثدي ، وسرطان المبيض ، ويسمى BRCA1 ، والذي إذا حدثت فيه طفرة معينة فإن هناك احتمال الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تصل إلى 80 % ، وسرطان المبيض بنسبة تصل إلى 45 % ، وذلك إذا كان أحد من أفراد العائلة قد أصيب بالمرض قبل ذلك ، فما هو الحل إذا اكتشف الطبيب أن العروس المقبلة على الزواج سوف تصاب بأحد هذين النوعين من السرطان ، وطلب منها أن تجري عملية لإزالة الثدي أو المبيض حتى تقلل من خطر الإصابة بهما ؟ هل يكون من الحكمة أن يفعل الطبيب ذلك ؟ وكذلك الحال في حالة اكتشاف الجين المسبب لمرض " الزهيمر " الذي يصيب الإنسان في مرحلة الشيخوخة ، وأعراضه كثيرة منها فقدان الذاكرة ، والاكتئاب المزمن ، وعدم المقدرة على المشي ، والكلام ، والأكل ، وغير ذلك ، فهل يمكن أن يعيش الإنسان حياة سعيدة في الستين عاما الأولى من عمره وهو يعلم أنه سوف يصاب بهذا المرض في يوم من الأيام لا يعلمه .
ولهذا تثور تساؤلات كثيرة ومناقشات في الولايات المتحدة عن البروتوكول الذي يحدد ما الذي يجب أن يقال ، ولمن يقال ، وهل إخفاء هذه الحقائق عن الطرف الآخر أو الشريك يعتبر عدم أمانة ؟ وهل إخباره بها يعتبر إفشاء لسر من أسرار المريض والمهنة ؟ كل هذه أسئلة ما زالت الإجابة عليها محل جدل لم يحسم بعد .
ثم تأتي منطقة أخرى للجدل ألا وهي : ترى إذا اكتشف الأطباء من خلال الخريطة الجينية للإنسان أنه سوف يصاب بالسرطان مثلا ، أو بتصلب الشرايين ، أو بأحد أمراض الأعصاب الوراثية المزمنة ، أو بالسكر ، وتقدم هذا المريض لكي يشترك في التأمين الصحي فهل يحق للشركة أن تمتنع عن علاجه إذا أصيب بهذه الأمراض في مرحلة لاحقة ، على اعتبار أن أهم شرط في شروط التأمين هو عدم مسئولية شركة التأمين عن علاج الحالات المرضية الموجودة قبل تاريخ التعاقد ، وبالتالي فهذا العيب الجيني يعتبر حالة موجودة منذ الولادة Pre – existing Condition عند مريض المستقبل الذي لم يظهر عنده المرض بعد .
ج- اختيار نوع المولود ، وطفل واحد تشترك في تكوينه أمان !
أصبح من المتاح الآن أن يختار الأم والأب نوع المولود اللذان يرغبان فى إنجابه ، وبناءا على ذلك يتم تلقيح بويضة الأم ، بالحيوان المنوي المرغوب فيه ، ويتم تحديد الحيوان المنوي الذي يحمل الكروموسوم الذكرى Y ، وتفريقه عن الحيوان المنوي الذي يحمل كروموسوم الأنوثة X ، وذلك من خلال احتواء الكروموسوم الأنثوي X على نسبة أكبر من الحامض النووي بنسبة 8ر2% عن الكروموسوم الذكرى Y ، وبناءا على ذلك ، ومن خلال صبغة الحيوانات المنوية بصبغة الفلورسين ، وقياس نسبة الطيف الضوئي المنعكس منها بعد تسليط ضوء أشعة الليزر عليها ، يمكن تفريق كل من الحيوان المنوي الذي يحمل كروموسوم الذكورة ، عن الحيوان المنوي الذي يحمل كروموسوم الأنوثة ، بواسطة فحص يسمى " مايكروسورت " ثم عن طريق إدخال هذه النطفة فى الرحم كما يحدث فى حالة أطفال الأنابيب ، أو بواسطة الحقن المجهري ، يكمل الطفل فترة الحمل ، ليأتي كما رغبت الأم ، وكذلك الأب فى وجوده ، فهل يتعارض اختيار نوع المولود مع المشيئة الإلهية فى قوله عز وجل " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ " سورة الشورى 49 ، وهل يمكن إذا ترك اختيار تحديد نوع الجنس فى المولود القادم ، أن يؤدى ذلك إلى خلل فى التوازن البشرى على الأرض ، بحيث يصبح الذكور أغلبية فى وقت من الأوقات ، وتصبح الإناث أغلبية فى وقت آخر ؟
* أستاذ المناعة والكاتب بجريدتي الأهرام المصرية والمصري اليوم